تاريخ مرسى بن مهيدي (Port Say)الحلقة (3/1)ملاحظة : أرجو أن لا ينزعج أصدقائي من تأخري عن نشر تاريخ أوزيدان وشتوان كما وعدتهم؛ لأنني في انتظار بعض الصور المهمة.
مدينة ساحلية تقع في أقصى الغرب الجزائري على بعد 120 كلم من تلمسان، يفصلها عن الحدود المغربية وادي قيس، وتشتهر بموقعها السياحي الممتاز، حيث صنفت مؤخرا من ضمن أفضل الشواطئ في الجزائر، ولا غرو؛ فمنذ نشأتها وهي تستقطب السياح الذين لم تمنعهم بعد المسافة من تجشم المشاق لارتيادها من جميع أقطار الوطن وخارجه، لما تتوفر عليه من شواطئ جميلة ومناظر طبيعية خلابة، كما كانت قديما تستقطب صفوة المجتمع الفرنسي الذين كانوا يطلبون العزلة بين وهادها وجبالها للراحة والاستجمام، كما هو حالها إلى حد الآن حيث يفد عليها السياسيون والفنانون ...
يعتقد أنها كانت من ضمن المرافئ التي مر بها الرومان خلال فترات ازدهار حضارتهم وسيطرتهم على السواحل المتوسطية المهمة، لكن لا توجد لدينا أدلة تؤكد هذه الرواية .
بعض الباحثين المختصين في تاريخ المنطقة يعودون بأصل هذا المرفأ إلى العصور القديمة؛ فالجغرافي سترابون Strabon من القرن الأول قبل الميلاد أطلق اسم (Massaisyliens) على القبائل التي كانت تعيش في شرق نهر الملوية، أما بطليموس في القرن الثاني قبل الميلاد فيتحدث عن الهربدتان (Herpiditanes) التي ستصبح أصل مسيردة، وقد كانت هذه المنطقة خلال القرن الثالث الميلادي تابعة للملكة الموريطانية القيصرية .
ولعل أول من قدم وصفا لهذا الميناء من القدماء هو البكري في كتاب (المسالك والممالك) الذي أشار إليها باسم (مرسى عجرود) من غير تأكيد ما إذا كان الأمر يتعلق بهذه المنطقة أو مجاورتها السعيدية المغربية .
لم يتردد ذكرها في المراجع القديمة مما يرجح بأنها لم تكن لها أهمية؛ فقد كان أهالي المنطقة وقبائلها تكتفي بأن تطلق على هذا الشاطئ اسم وادي كيس نسبة إلى الوادي الذي يجتازها ليتدفق في البحر.
بعد الغزو الفرنسي وقعت مناوشات حدودية مع السلطان المغربي زاد من حدتها الاضطرابات التي أحدثتها القبائل المناوئة للوجود الاستعماري بسبب عدم ترسيم الحدود بين البلدين بالرغم من الاتفاقيات الموقعة بين البلدين عقب هزيمة الجيش المغربي في معركة وادي إيسلي (3) .
كما كانت مسرحا لمعارك الأمير عبد القادر ضد القوات الغازية، التي كبدها خسائر فادحة في معركة وادي كركور 23 سبتمبر 1845 ، مما جعل الجنرال بيجو يختار مصب نهر قيس مرفأ لإنزال قواته وتموينها؛ لوضع حد للتحرشات المستمرة لقبائل بني زناسن، وقطع الطريق أمام نشاط الأمير عبد القادر، هذه المبادرات أسفرت عن احتلال مسيردة الفواقه 1846 ومسيردة التحاتة 1847 تمهيدا لاستسلام الأمير. ( يتبع ...)
الهوامش :
1 ـ الآثار الرومانية ما زالت موجودة في نواحي هذه المنطقة لاسيما على الساحل بين مرسى بن مهيدي ومدينة الغزوات قرب بيدر وواد الكواردة وباب المحصر وباب اليهودي والقلعة وبوزغوين، ولكن الكثير من تلك الآثار انطمست . راجع :
ـ درفوف محمد ـ الزواج في الفكر الشعبي بمنطقة مسيردة والتشريع الجزائر ص 10 ، و ـ نجلاء مرتاض ـ الخصوصيات الأنثروبولوجية الوراثية للمجموعات السكنية : مسيردة ص 10 .
تاريخ مرسى بن مهيدي (Port say)التسمية وظروف النشأة (3/2)في عام 1900 اختار المستكشف الفرنسي والملازم الاحتياطي السابق؛ لويس جون بابتيست ساي Louis, Jean-Baptiste SAY (1852 /1915) هذا الشاطئ والسهول السخية القريبة منه ليستقر فيها.
حينها وجد في هذا المكان خمسة صيادين ريفيين من قبيلة بوكويا (الجريء بالبربرية) ، فقام بإنشاء كوخ مسقوف بنبات الديس ثم انطلق لاستكشاف المكان، بعد أن عقد علاقات مميزة مع القبائل المجاورة (1) .
لفتت انتباهه خصوبة الأرض البور التي يغذيها نهران لا يجف ماؤهما بالإضافة، إلى جانب الجبال الغنية بالمعادن من رصاص ونحاس وفضة؛ هذه الثروات كانت بحاجة إلى منفذ بحري قريب ليتم تصديرها نحو الخارج، كما يمكن استغلاله لربط علاقات اقتصادية مع مدينة وجدة القريبة .
فباشر في شهر جويلية من العام نفسه ومن دون الحصول على رخصة، في تنفيذ المشروع المكلف والمحفوف بالمخاطر مستغلا الثروة التي ورثها عن أبيه والمقدرة بنصف مليار، انطلاقا من مكان مميز كان تجار الغزوات بصدد استغلاله لإنشاء متجر اقتصادي، ولكنهم تراجعوا بسبب الأخطار المحدقة به، وهو الأمر الذي كلفه مقتل اثنين من عماله؛ فتراجع بدوره عن هذا المشروع وقرر استثمار ثروته في تهيئة الميناء وبناء المباني في محيطه، وساعدته السلطات العمومية في شق الطرق وإنشاء الهياكل الإدارية.
وفي غضون خمس سنوات (1905) كان للبلدة الناشئة التي أصبحت تحمل اسم (بورت ساي) 9 موظفين، و 24 تاجرا، و 300 ساكن، و 60 منزلا، إضافة إلى الميناء الذي يتضمن رصيفا بطول 500 م ، شهد خلال السنة الموالية عبور 146 سفينة .
بعد موت والدته أصبح (ساي) الوريث الوحيد لثروة معتبرة أنفقها في تطوير الميناء، ولكن ظروف الحرب العالمية ألقت بظلالها على هذه المنشأة؛ فتعطل المشروع مما عجل بوفاته في غضون عام واحد عن عمر ناهز الثالثة والستين. وبعد ذلك أصبح الميناء عرضة للإهمال، وغزته النباتات ورمال الشاطئ (2).
ـ في سنة 1935 تأسست شركة لإنشاء محطة حمامات (Station Balnéaire)، تم تدشينها بعد الحرب سنة 1953.
ـ بتاريخ 20 ماي 1957 أصبحت (بورت ساي) إحدى النواحي التابعة لدائرة مغنية، محافظة تلمسان
ـ بعد الاستقلال مباشرة تحول اسمها إلى (مرسى بن مهيدي) تكريما للشهيد الرمز العربي بن مهيدي (3)
الهوامش والمراجع :
1 ـ سبق لهذا المستكشف أن قام عام 1886 برحلة بحرية إلى هذا الجزء من البحر المتوسط ، ولو أن فكرة إنجاز الميناء تعود إلى سنة 1764، لأن الباي كان يطمح آنذاك إلى إقامة منفذ بحري نحو الجزر الجعفرية (Les Iles Zaffarines). المرجع : Idriss Anbri – Marsat Ben M’hidi.
2 ـ يُعتقد أن ساي أساء اختيار المكان ولهذا السبب لم يعد للميناء وجود حاليا، والبعض يرى أن أهميته تراجعت لصالح ميناء الغزوات القريب
3 ـ هذا الاسم بقي حبرا على ورق؛ فالناس لا تزال تشير إلى المدينة باسمها الفرنسي.
- Une Ville Une Histoire : Port Say - Journal Réflexion N° 3138 du 10 Décembre 2018
- Jean Claude Rosso - Port-Say (Document)
- Idriss Anbri - Marsat Ben M’hidi, à propos d’un peu d’histoire - Quotidien d’Oran (Article)
مدينة ساحلية تقع في أقصى الغرب الجزائري على بعد 120 كلم من تلمسان، يفصلها عن الحدود المغربية وادي قيس، وتشتهر بموقعها السياحي الممتاز، حيث صنفت مؤخرا من ضمن أفضل الشواطئ في الجزائر، ولا غرو؛ فمنذ نشأتها وهي تستقطب السياح الذين لم تمنعهم بعد المسافة من تجشم المشاق لارتيادها من جميع أقطار الوطن وخارجه، لما تتوفر عليه من شواطئ جميلة ومناظر طبيعية خلابة، كما كانت قديما تستقطب صفوة المجتمع الفرنسي الذين كانوا يطلبون العزلة بين وهادها وجبالها للراحة والاستجمام، كما هو حالها إلى حد الآن حيث يفد عليها السياسيون والفنانون ...
يعتقد أنها كانت من ضمن المرافئ التي مر بها الرومان خلال فترات ازدهار حضارتهم وسيطرتهم على السواحل المتوسطية المهمة، لكن لا توجد لدينا أدلة تؤكد هذه الرواية .
بعض الباحثين المختصين في تاريخ المنطقة يعودون بأصل هذا المرفأ إلى العصور القديمة؛ فالجغرافي سترابون Strabon من القرن الأول قبل الميلاد أطلق اسم (Massaisyliens) على القبائل التي كانت تعيش في شرق نهر الملوية، أما بطليموس في القرن الثاني قبل الميلاد فيتحدث عن الهربدتان (Herpiditanes) التي ستصبح أصل مسيردة، وقد كانت هذه المنطقة خلال القرن الثالث الميلادي تابعة للملكة الموريطانية القيصرية .
ولعل أول من قدم وصفا لهذا الميناء من القدماء هو البكري في كتاب (المسالك والممالك) الذي أشار إليها باسم (مرسى عجرود) من غير تأكيد ما إذا كان الأمر يتعلق بهذه المنطقة أو مجاورتها السعيدية المغربية .
لم يتردد ذكرها في المراجع القديمة مما يرجح بأنها لم تكن لها أهمية؛ فقد كان أهالي المنطقة وقبائلها تكتفي بأن تطلق على هذا الشاطئ اسم وادي كيس نسبة إلى الوادي الذي يجتازها ليتدفق في البحر.
بعد الغزو الفرنسي وقعت مناوشات حدودية مع السلطان المغربي زاد من حدتها الاضطرابات التي أحدثتها القبائل المناوئة للوجود الاستعماري بسبب عدم ترسيم الحدود بين البلدين بالرغم من الاتفاقيات الموقعة بين البلدين عقب هزيمة الجيش المغربي في معركة وادي إيسلي (3) .
كما كانت مسرحا لمعارك الأمير عبد القادر ضد القوات الغازية، التي كبدها خسائر فادحة في معركة وادي كركور 23 سبتمبر 1845 ، مما جعل الجنرال بيجو يختار مصب نهر قيس مرفأ لإنزال قواته وتموينها؛ لوضع حد للتحرشات المستمرة لقبائل بني زناسن، وقطع الطريق أمام نشاط الأمير عبد القادر، هذه المبادرات أسفرت عن احتلال مسيردة الفواقه 1846 ومسيردة التحاتة 1847 تمهيدا لاستسلام الأمير. ( يتبع ...)
الهوامش :
1 ـ الآثار الرومانية ما زالت موجودة في نواحي هذه المنطقة لاسيما على الساحل بين مرسى بن مهيدي ومدينة الغزوات قرب بيدر وواد الكواردة وباب المحصر وباب اليهودي والقلعة وبوزغوين، ولكن الكثير من تلك الآثار انطمست . راجع :
ـ درفوف محمد ـ الزواج في الفكر الشعبي بمنطقة مسيردة والتشريع الجزائر ص 10 ، و ـ نجلاء مرتاض ـ الخصوصيات الأنثروبولوجية الوراثية للمجموعات السكنية : مسيردة ص 10 .
تاريخ مرسى بن مهيدي (Port say)التسمية وظروف النشأة (3/2)في عام 1900 اختار المستكشف الفرنسي والملازم الاحتياطي السابق؛ لويس جون بابتيست ساي Louis, Jean-Baptiste SAY (1852 /1915) هذا الشاطئ والسهول السخية القريبة منه ليستقر فيها.
حينها وجد في هذا المكان خمسة صيادين ريفيين من قبيلة بوكويا (الجريء بالبربرية) ، فقام بإنشاء كوخ مسقوف بنبات الديس ثم انطلق لاستكشاف المكان، بعد أن عقد علاقات مميزة مع القبائل المجاورة (1) .
لفتت انتباهه خصوبة الأرض البور التي يغذيها نهران لا يجف ماؤهما بالإضافة، إلى جانب الجبال الغنية بالمعادن من رصاص ونحاس وفضة؛ هذه الثروات كانت بحاجة إلى منفذ بحري قريب ليتم تصديرها نحو الخارج، كما يمكن استغلاله لربط علاقات اقتصادية مع مدينة وجدة القريبة .
فباشر في شهر جويلية من العام نفسه ومن دون الحصول على رخصة، في تنفيذ المشروع المكلف والمحفوف بالمخاطر مستغلا الثروة التي ورثها عن أبيه والمقدرة بنصف مليار، انطلاقا من مكان مميز كان تجار الغزوات بصدد استغلاله لإنشاء متجر اقتصادي، ولكنهم تراجعوا بسبب الأخطار المحدقة به، وهو الأمر الذي كلفه مقتل اثنين من عماله؛ فتراجع بدوره عن هذا المشروع وقرر استثمار ثروته في تهيئة الميناء وبناء المباني في محيطه، وساعدته السلطات العمومية في شق الطرق وإنشاء الهياكل الإدارية.
وفي غضون خمس سنوات (1905) كان للبلدة الناشئة التي أصبحت تحمل اسم (بورت ساي) 9 موظفين، و 24 تاجرا، و 300 ساكن، و 60 منزلا، إضافة إلى الميناء الذي يتضمن رصيفا بطول 500 م ، شهد خلال السنة الموالية عبور 146 سفينة .
بعد موت والدته أصبح (ساي) الوريث الوحيد لثروة معتبرة أنفقها في تطوير الميناء، ولكن ظروف الحرب العالمية ألقت بظلالها على هذه المنشأة؛ فتعطل المشروع مما عجل بوفاته في غضون عام واحد عن عمر ناهز الثالثة والستين. وبعد ذلك أصبح الميناء عرضة للإهمال، وغزته النباتات ورمال الشاطئ (2).
ـ في سنة 1935 تأسست شركة لإنشاء محطة حمامات (Station Balnéaire)، تم تدشينها بعد الحرب سنة 1953.
ـ بتاريخ 20 ماي 1957 أصبحت (بورت ساي) إحدى النواحي التابعة لدائرة مغنية، محافظة تلمسان
ـ بعد الاستقلال مباشرة تحول اسمها إلى (مرسى بن مهيدي) تكريما للشهيد الرمز العربي بن مهيدي (3)
الهوامش والمراجع :
1 ـ سبق لهذا المستكشف أن قام عام 1886 برحلة بحرية إلى هذا الجزء من البحر المتوسط ، ولو أن فكرة إنجاز الميناء تعود إلى سنة 1764، لأن الباي كان يطمح آنذاك إلى إقامة منفذ بحري نحو الجزر الجعفرية (Les Iles Zaffarines). المرجع : Idriss Anbri – Marsat Ben M’hidi.
2 ـ يُعتقد أن ساي أساء اختيار المكان ولهذا السبب لم يعد للميناء وجود حاليا، والبعض يرى أن أهميته تراجعت لصالح ميناء الغزوات القريب
3 ـ هذا الاسم بقي حبرا على ورق؛ فالناس لا تزال تشير إلى المدينة باسمها الفرنسي.
- Une Ville Une Histoire : Port Say - Journal Réflexion N° 3138 du 10 Décembre 2018
- Jean Claude Rosso - Port-Say (Document)
- Idriss Anbri - Marsat Ben M’hidi, à propos d’un peu d’histoire - Quotidien d’Oran (Article)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق